في واحدة من أكثر حلقات بودكاست شنو القصة؟ عمقًا وتأملًا، استضاف الإعلامي مهند مجيد الكاتب والمفكر العالمي مو جودت (Mo Gawdat)، للحديث عن سؤال يبدو بسيطًا لكنه يحمل خلفه فلسفة حياة كاملة: ما هو هدفك من الحياة؟
يبدأ الحوار بهدوء، بصوت مو جودت المليء بالتجارب والحكمة، وهو يسترجع رحلة طويلة من العمل والنجاح في كبرى شركات التكنولوجيا، مرورًا بالخسارة المؤلمة التي غيّرت مجرى حياته، وصولًا إلى مرحلة النضج التي قرر فيها أن يفهم معنى السعادة من جديد.
يقول مو جودت في حديثه:
“كنت أظن أن هدفي من الحياة هو النجاح، المال، والمكانة. لكني اكتشفت أن كل هذا لا يساوي شيئًا إن لم يكن هناك سلام داخلي.”
بهذه الجملة البسيطة يضع مو جودت حجر الأساس لفلسفته الإنسانية التي أصبحت لاحقًا ملهمة لملايين الأشخاص حول العالم.
🔹 من الرأسمالية إلى الوعي
يتناول الحوار التحوّل العميق في نظرة مو جودت للحياة. فبعد أن عاش سنوات في بيئة عمل تنافسية ضمن كبرى الشركات التقنية مثل Google، بدأ يتساءل عن الثمن الحقيقي الذي يدفعه الإنسان مقابل “النجاح”.
يوضح قائلًا:
“كنا نعمل بجد لنصنع آلات أذكى، لكننا نسينا أن نصنع بشرًا أسعد.”
هنا يتدخل مهند مجيد ليسأل سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للإنسان أن يجد هدفه في عالم تحكمه الرأسمالية والمنافسة؟
فيرد مو جودت بثقة:
“الهدف لا يأتي من الخارج، لا من وظيفة ولا من شهرة. الهدف الحقيقي يولد من الداخل، من رغبتك في أن تترك أثرًا جيدًا، حتى لو كان صغيرًا.”
🔹 فلسفة السعادة عند مو جودت
تقوم فلسفة مو جودت على فكرة بسيطة لكنها ثورية: أن السعادة معادلة يمكن فهمها وإدارتها. فقد وضع معادلة شهيرة يقول فيها:
“السعادة = الواقع - التوقعات.”
ويشرح في البودكاست أن معظم معاناتنا لا تأتي من الواقع نفسه، بل من توقعاتنا الزائدة لما يجب أن يكون. حين نقلل الفجوة بين ما نريده وما هو موجود، نبدأ في رؤية الجمال في اللحظة الحالية.
يضيف مو جودت:
“عندما تتوقف عن مطاردة السعادة، تبدأ في إيجادها.”
هذه الفلسفة جعلت منه أحد أبرز الأصوات في العالم التي تدعو إلى التوازن بين التكنولوجيا والإنسانية، بين العقل والعاطفة، بين الطموح والرضا.
🔹 هدف الحياة: أن تخدم لا أن تُستهلك
في حديثه عن الهدف، يرى مو جودت أن المعنى لا يتحقق في “الإنجاز” فقط، بل في الخدمة.
يقول:
“الحياة الحقيقية تبدأ عندما تسأل نفسك: كيف يمكنني أن أكون مفيدًا للآخرين؟”
ويضيف أن الإنسان في جوهره كائن اجتماعي وروحي، وأن أعظم شعور يمكن أن يختبره هو أن يرى أثرًا إيجابيًا تركه في حياة شخص آخر، مهما كان بسيطًا.
يتحدث أيضًا عن تجربته بعد وفاة ابنه علي، التي كانت نقطة تحوّل كبرى في رحلته. بدلًا من أن يغرق في الحزن، قرر أن يحوّل الألم إلى رسالة. ومن هنا انطلقت مبادرته العالمية “Solve for Happy” التي تسعى لتعليم الناس كيفية بناء سعادة داخلية مستقلة عن الظروف.
🔹 الذكاء الاصطناعي والوعي الإنساني
ولأن مو جودت أحد أبرز العقول التي تحدثت عن مستقبل الذكاء الاصطناعي، يناقش في هذه الحلقة العلاقة بين التطور التكنولوجي وهدف الإنسان من الوجود.
يقول:
“الذكاء الاصطناعي سيغيّر العالم، لكن التحدي الأكبر ليس في ما تستطيع الآلات فعله، بل في ما سنفعله نحن بالبشرية التي نصنعها.”
ويرى أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة للخير إن استخدمناها بوعي. لكنها تصبح خطرًا إذا فقدنا البوصلة الأخلاقية التي توجهنا. لذلك، فإن الهدف من الحياة ليس فقط أن نبدع أو ننجح، بل أن نضمن أن هذا النجاح يخدم الإنسانية لا يدمرها.
🔹 كيف تعرف هدفك؟
يقدّم مو جودت في نهاية اللقاء ثلاث خطوات عملية تساعد كل شخص على اكتشاف هدفه من الحياة:
اسأل نفسك: ما الذي يجعلني أشعر بالسلام؟
لأن الهدف الحقيقي لا يرهقك، بل يملؤك طمأنينة.
راقب ما يضيء قلبك.
ليس ما يمدحك الناس عليه، بل ما يجعلك تشعر بالحياة.
اجعل الأثر محور حياتك.
إذا استيقظت كل يوم لتجعل العالم مكانًا أفضل، فأنت تسير في الاتجاه الصحيح.
ويضيف مو جودت:
“الهدف ليس شيئًا تصل إليه في النهاية، بل طريقة تعيش بها يومك.”
🔹 خلاصة الحلقة
الحوار بين مهند مجيد ومو جودت ليس مجرد نقاش فلسفي، بل رحلة داخل الذات، تدعوك لإعادة التفكير في معنى النجاح والسعادة.
إنه تذكير بأن الحياة ليست سباقًا نحو إنجازات أكبر، بل دعوة لأن تعيش بمعنى ووعي وحب.
في زمنٍ نُقاس فيه بالأرقام والمتابعين، تأتي هذه الحلقة لتقول:
“كن صادقًا مع نفسك، وابحث عن هدفك في مكان لا ينظر إليه أحد: داخلك.”