في حلقة مميزة من برنامج "يا حرية" على تلفزيون سوريا، يروي محمد بدر زكريا قصة صموده وتحديه قهر السجن عبر صناعة مسرح خلف القضبان. هذه الحلقة تسلط الضوء على الجانب الإنساني والإبداعي الذي يمكن أن يبرز حتى في أحلك الظروف، مؤكدة أن الإرادة الإنسانية قادرة على تحويل الألم إلى فن وثقافة رغم القيد والحرمان.
محمد بدر زكريا لم يكتفِ بالبقاء على قيد الحياة داخل السجن، بل سعى إلى خلق مساحة للحرية النفسية والجمالية داخل الزنازين، فقام مع زملائه المعتقلين بصنع مسرح صغير على خشبة صعبة وغير معتادة، ليصبحوا من خلاله قادرين على التعبير عن أنفسهم وعن آمالهم وأحلامهم. العمل المسرحي لم يكن مجرد ترف، بل كان وسيلة للنجاة النفسية، وأداة لمواجهة اليأس والضغط النفسي المستمر الذي يفرضه السجن.
البرنامج يستخدم مشاهد تمثيلية لتقريب المشاهد من التجربة، مُظهراً كيف أن السجن لم يكن مجرد مكان للانتهاك الجسدي، بل أيضاً تحدٍ للروح والإبداع. محمد يروي كيف بدأوا بتجهيز الخشبة من المواد المتوفرة داخل الزنزانة، وكيف كان كل عرض يُشكل فرصة صغيرة للابتعاد عن القهر اليومي، والتذكير بأنهم ما زالوا أحياء ويمتلكون القدرة على خلق معنى للحياة حتى داخل السجن.
الحلقة تكشف أيضاً عن القوة التي يمنحها الفن للمعتقلين، وكيف يمكن أن يكون المسرح وسيلة للتواصل مع الآخرين، وإظهار صوت المكبوتين. محمد بدر زكريا استخدم المسرح كأداة للتعبير عن القضايا الإنسانية والاجتماعية، وعن المعاناة التي عاشها المعتقلون، فحوّل الألم إلى رسالة فنية تصل للمشاهد خارج السجن.
إخراج الحلقة قام به شادي خدام مع إعداد وحوار سعاد قطناني، حيث تم تقديم قصة محمد بطريقة تجمع بين الواقعية والبعد الدرامي، ما جعل المشاهد يشعر بتجربة المعتقلين وكأنها حية أمامه. التركيز على التفاصيل الدقيقة لصناعة المسرح داخل الزنزانة، والجهد المبذول في كل عرض، أبرز قدرة الإنسان على التكيف والإبداع في ظروف استثنائية.
من خلال هذه الحلقة، يبرز البرنامج كيف يمكن للفن أن يكون أداة مقاومة نفسية ضد الظلم، وأن الإرادة البشرية قادرة على خلق لحظات من الحرية والإبداع حتى في أضيق الأماكن. محمد بدر زكريا لم يكن مجرد نزيل في السجن، بل أصبح رمزاً لصمود الإنسان الذي يرفض الانكسار ويحول القيود إلى منصة للحرية الداخلية.
حلقة محمد بدر زكريا في "يا حرية" تحمل رسالة قوية عن الأمل والإبداع والصمود، وتذكرنا بأن الفن لا يعرف حدوداً، وأن الإبداع يمكن أن يولد في أحلك الظروف. إنها شهادة على أن الإنسان قادر على تحويل الألم إلى حياة، وعلى أن الإرادة والخيال يمكن أن يبنيا عوالم صغيرة من الحرية داخل أي سجن.